الأحد، يناير 04، 2009

النفط في 2008 .. جدل حول أسعار عادلة لم ترض المنتجين والمستهلكين جريدة اليوم

النفط 2008

أيمن سيف

aymansaif@hotmail.com

أغلقت أسواق النفط سنة 2008 عند حدود أسعار أقل من 45 دولار للبرميل منهية بذلك سنة كاملة من أطول السنوات غرابة وأكثرها جدلا حول عدالة الأسعار ومستقبلها ، كانت بداية 2008 يتجاوز فيها سعر النفط لأول مرة في تاريخه حاجز 100 دولار ونهايتها أقل من 45 متراجعا من أعلى قيم في تاريخه عند 147 دولار تحققت في منتصفها ، والواقع أن هذا التباين والخلل في أسواق النفط بدأت مقدماته قبل سنة 2008 وكانت البدايات الفعلية في 2004 عندما تجاوزت الأسعار حاجز 50 دولار لتنهي بذلك عقودا طويلة من الأسعار الرخيصة والمستقرة نسبيا ثم توالت الزيادة بشكل مضطرد حتى بلغت ذروتها في منتصف 2008.

في كل مرحلة كان هناك من ينادي بالأسعار العادلة من منظوره ومصلحته ، فالمنتجون الذين تغاضى الكثير منهم عند وصول مستويات 147 رفعوا المطالبات عند بداية تراجع الأسعار أن لا تنخفض أقل من 100 دولار واليوم خفضوا سقف تلك المطالب إلى 60-70 دولار ، بينما طالب المستهلكون عندما كانت الأسعار ترتفع أن لا تزيد عن سقف 100 دولار ولم يطالبوا بشيء عندما تراجعت الأسعار أقل من 40 دولار ، ويمتد هذا الجدل حول الأسعار إلى عمر السلعة نفسها فمن يعود قليلا إلى سنوات مضت نجد أن المطالبات على حالها ولكن الأرقام هي التي تغيرت ويبدو أنها ستبقى كذلك مستقبلا ترتفع مع زيادة الأسعار من جهة المستهلكين بالمناداة إلى زيادة الإنتاج وخض الأسعار ومن جهة المنتجين عند تراجع الأسعار بخفض الإنتاج وزيادة الأسعار .

الجديد في هذه السنة هو في حجم الفارق الضخم بين 147 – 35 دولار خلال ستة أشهر فقط ، ولذلك فإن الجدل حول الأسعار لم يكن عاديا هذه المرة ، والحقيقة أن الوصول إلى أسعار مرضية للطرفين قد لا يحدث مطلقا في ظل آليات الأسواق الحالية ومهما وصلت الأسعار إلى حالة من الاستقرار ستعاود الدخول من جديد في مرحلة التغيرات السريعة مرة أخرى ، وقد يكون الهبوط السريع في الأسعار الذي شاهدناه على مدار الستة أشهر الأخيرة فريدا من نوعه ذلك لو كان مقتصرا على أسواق النفط وحدها ولكن ما حدث في بقية أسواق السلع والمال العالمية من هزات وتراجع شامل تأثرا بالأزمة العالمية يساعد في استيعاب وتقبل تلك الانخفاضات أحيانا ، ويعتبر تأثر أسواق النفط هو الأكبر نسبيا من بين السلع الأخرى حيث أدى ذلك إلى بعض الخلل في معادلات الأسواق وعلاقة السلع بعضها البعض .

استحقت هذه المرحلة من عمر أسواق النفط الطويل دراسات طويلة ومعمقة من قبل المحللين والمراقبين للأسواق سوف تستمر طويلا ، وما يستحق النظر إليه فعلا هو الحالة التي تسود الأسواق في الإقبال على الشراء عند الأسعار المرتفعة وكيف تغيرت تلك الحالة سلبا بعد تراجعها ليس فقط في سلعة النفط وإنما في معظم السلع الأخرى وكأن الأفضلية للشراء تأتي دائما عند الأسعار العالية والعكس صحيح .

واستكمالا لهذه الظاهرة فإن نشاط التنقيب عن النفط وتطوير مرافق الإنتاج الحالية يرتفع بشكل ملحوظ عند الأسعار العالية بل ويتعالي نشاط البحث عن بدائل الطاقة أيضا ، ثم ما لبث أن هدأ وتراجع إلى حد التوقف في بعض الأماكن بعد أن تراجعت الأسعار بدعوى عدم الجدوى الاقتصادية ، وكأن التفكير البشري ما زال كما هو بالرغم من التطور الحضاري والتكنولوجي ولم يتغير كثيرا عن تفكير ابن البادية البسيط الذي يقرر عندما يشتد برد الصحراء وصقيعها ليلا أن يشتري فورا عباءة تقيه البرد عند أول صباح ولكن بعد أن تطلع الشمس وتغمره بالدفيء يلغي قراره وفي الليلة التالية يعود البرد مرة أخرى ليجدد قراره وهكذا .

من المؤكد في كل الدراسات التي تبحث في أبعاد إنتاج النفط والحاجة الكونية لاستهلاكه يوجد رقم واحد صحيح وثابت وهو النسبة السنوية لنمو سكان الأرض ، ويبقى السؤال هل كانت حركة أسعار النفط من 50 إلى 147 دولار نتيجة طبيعية لوضع أستمر لعدة عقود من أسعار لم ترتفع بشكل متناسب مع زيادة أعداد سكان الأرض واحتياجهم من الطلب على الطاقة وبالتالي فإن الغير طبيعي هو ذلك الانخفاض السريع والعكسي في الأسعار خلال النصف الأخير من 2008 ، أم أن هذا الانخفاض الأخير كان مجرد رد فعل طبيعي لوضع طارئ من أسعار غير مسبوقة لن تتكرر ، والجواب على هذا السؤال قد لا يأتي في المدى القصير والمتوسط ولكن إذا ارتفعت الأسعار هذه المرة خارج 147 ستصل أبعادا جديدة وغير متوقعة .

ليست هناك تعليقات: